فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله: {والتين والزيتون}
قال ابن عباس: هو تينكم الذي تأكلون وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت، قيل إنما خص {التين} بالقسم لأنه فاكهة مخلصة من شوائب التّنغيص، وفيه غذاء ويشبه فواكه الجنة لكونه بلا عجم.
ومن خواصه أنه طعام لطيف سريع الهضم لا يمكث في المعدة يخرج بطريق الرشح ويلين الطبيعة، ويقلل البلغم وأما {الزيتون} فإنه من شجرة مباركة فيه إدام ودهن يؤكل ويستصبح به وشجرته في أغلب البلاد ولا يحتاج إلى خدمة وتربية وينبت في الجبال التي ليست فيها دهنية ويمكث في الأرض ألوفاً من السنين، فلما كان فيهما من المنافع، والمصالح الدّالة على قدرة خالقهما لا جرم أقسم الله بهما، وقيل هما جبلان فـ: {التين} الجبل الذي عليه دمشق و{الزيتون} الجبل الذي عليه بيت المقدس، واسمهما بالسريانية طور تيناً وطور زيتاً لأنهما ينبتان التين والزيتون، وقيل هما مسجدان فـ: {التين} مسجد دمشق و{الزيتون} مسجد بيت المقدس، وإنما حسن القسم بهما لأنهما موضع الطاعة، وقيل {التين} مسجد أصحاب الكهف و{الزيتون} مسجد إيلياء، وقيل {التين} مسجد نوح الذي بناه على الجودى و{الزيتون} مسجد بيت المقدس {وطور سينين} يعني الجبل الذي كلم الله موسى عليه الصّلاة والسّلام و{سينين} اسم للمكان الذي فيه الجبل سمي {سينين} وسيناء لحسنه ولكونه مباركاً وكل جبل فيه أشجار مثمرة يسمى {سينين} وسيناء {وهذا البلد الأمين} يعني الآمن، وهو مكة حرسها الله تعالى لأنه الحرم الذي يأمن فيه الناس في الجاهلية والإسلام لا ينفر صيده ولا يعضد شجره، ولا تلتقط لقطته إلا لمنشد وهذه أقسام أقسم الله بها لما فيها من المنافع والبركة وجواب القسم قوله تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} يعني في أعدل قامة، وأحسن صورة، وذلك أنه تعالى خلق كل حيوان منكباً على وجهه يأكل بفيه إلا الإنسان فإنه خلقه مديد القامة حسن الصورة يتناول مأكوله بيده مزيناً بالعلم، والفهم، والعقل، والتّمييز، والمنطق.
{ثم رددناه أسفل سافلين} يعني إلى الهرم وأرذل العمر فيضعف بدنه وينقص عقله والسّافلون هم الضّعفاء، والزمنى والأطفال والشّيخ الكبير أسفل من هؤلاء جميعاً لأنه لا يستطيع حيلة، ولا يهتدي سبيلاً لضعف بدنه وسمعه وبصره وعقله، وقيل ثم ردناه إلى النّار لأنها دركات بعضها أسفل من بعض ثم استثنى.
{إلا الذين آمنوا وعملوا الصّالحات} فإنهم لا يردون إلى النار أو إلى أسفل سافلين وعلى القول الأول يكون الاستثناء منقطعاً، والمعنى ثم رددناه أسفل سافلين فزال عقله وانقطع عمله فلا تكتب له حسنة لكن الذين آمنوا وعملوا الصّالحات ولازموا عليها إلى أيام الشيخوخة والهرم والضّعف، فإنه يكتب لهم بعد الهرم والخرف مثل الذي كانوا يعملون في حالة الشّباب والصّحة وقال ابن عباس: هم نفر ردوا إلى أرذل العمر على زمن النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عذرهم وأخبرهم أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم فعلى هذا القول السبب خاص وحكمه عام قال عكرمة ما يضر هذا الشيخ كبره إذا ختم الله له بأحسن ما كان يعمل وروي عن ابن عباس: قال إلا الذين قرؤوا القرآن وقال: من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر {فلهم أجر غير ممنون} يعني غير مقطوع لأنه يكتب له بصالح ما كان يعمل قال الضّحاك: أجر بغير عمل ثم قال الزاماً للحجة.
{فما يكذبك} يعني يا أيها الإنسان وهو خطاب على طريق الالتفات {بعد} أي بعد هذه الحجة والبرهان {بالدين} أي بالحساب والجزاء، والمعنى فما الذي يلجئك أيها الناس إلى هذا الكذب ألا تتفكر في صورتك وشبابك، ومبدأ خلقك، وهرمك، فتعتبر وتقول أن الذي فعل ذلك قادر على أن يبعثني ويحاسبني، فما الذي يكذبك بالمجازاة، وقيل هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمعنى فمن يكذبك أيها الرّسول بعد ظهور هذه الدّلائل، والبراهين {أليس الله بأحكم الحاكمين} أي بأقضى القاضين يحكم بينكم وبين أهل التكذيب يوم القيامة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ والتين والزيتون، فقرأ أليس الله بأحكم الحاكمين، فليقل بلى وأنا على ذلك من الشّاهدين» أخرجه الترمذي وعن البراء «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فصلى العشاء الأخيرة فقرأ في إحدى الركعتين بالتين والزيتون فما سمعت أحداً أحسن صوتاً أو قراءة منه صلى الله عليه وسلم» والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال النسفي:

سورة التين:
مكية.
وهي ثمان آيات.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{والتين والزيتون}
أقسم بهما لأنهما عجيبان من بين الأشجار المثمرة، روي أنه أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طبق من تين فأكل منه وقال لأصحابه: «كلوا فلو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه لأن فاكهة الجنة بلا عجم، فكلوها فإنها تقطع البواسير وتنفع من النقرس» وقال: «نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة يطيب الفم ويذهب بالحفرة» وقال: «هي سواكي وسواك الأنبياء قبلي» وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هو تينكم هذا وزيتونكم هذا، وقيل: هما جبلان بالشام منبتاهما {وَطُورِ سينين} أضيف الطور وهو الجبل إلى {سينين} وهي البقعة ونحو سينون بيرون في جواز الإعراب بالواو والياء والإقرار على الياء وتحريك النون بحركات الإعراب {وهذا البلد} يعني مكة {الأمين} من أمن الرجل أمانة فهو أمين، وأمانته أنه يحفظ من دخله كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه.
ومعنى القسم بهذه الأشياء الإبانة عن شرف البقاع المباركة وما ظهر فيها من الخير والبركة بسكنى الأنبياء والأولياء، فمنبت {التين والزيتون} مهاجر إبراهيم ومولد عيسى ومنشؤه، والطور: المكان الذي نودي منه موسى، ومكة مكان البيت الذي هو هدى للعالمين ومولد نبينا ومبعثه صلوات الله عليهم أجمعين.
أو الأولان قسم بمهبط الوحي على عيسى، والثالث على موسى، والرابع على محمد عليهم السلام.
وجواب القسم {لَقَدْ خلقنا الإنسان} وهو جنس {فِى أحسن تقويم} في أحسن تعديل لشكله وصورته وتسوية أعضائه {ثُمَّ رددناه أسفل سافلين} أي ثم كان عاقبة أمره حين لم يشكر نعمة تلك الخلقة الحسنة القويمة السوية أن رددناه أسفل من سفل خلقاً وتركيباً يعني أقبح من قبح صورة وهم أصحاب النار، أو أسفل من أهل الدركات، أو ثم رددناه بعد ذلك التقويم والتحسين أسفل من سفل في حسن الصورة والشكل حيث نكسناه في خلقه فقوس ظهره بعد اعتداله، وابيض شعره بعد سواده، وتشننّ جلده وكلّ سمعه وبصره، وتغير كل شيء منه، فمشيه دليف، وصوته خفات، وقوته ضعف، وشهامته خرف {إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ ممنون} ودخل الفاء هنا دون سورة الانشقاق للجمع بين اللغتين، والاستثناء على الأول متصل، وعلى الثاني منقطع أي ولكن الذين كانوا صالحين من الهرمى والزمنى فلهم ثواب غير منقطع على طاعتهم وصبرهم على الابتلاء بالشيخوخة والهرم، وعلى مقاساة المشاق والقيام بالعبادة.
والخطاب في {فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ بالدين} للإنسان على طريقة الالتفات أي فما سبب تكذيبك بعد هذا البيان القاطع والبرهان الساطع بالجزاء؟ والمعنى أن خلق الإنسان من نطفة وتقويمه بشراً سوياً وتدريجه في مراتب الزيادة إلى أن يكمل ويستوى، ثم تنكيسه إلى أن يبلغ أرذل العمر لا ترى دليلاً أوضح منه على قدرة الخالق، وأن من قدر على خلق الإنسان وعلى هذا كله لم يعجز عن إعادته، فما سبب تكذيبك بالجزاء؟ أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي فمن ينسبك إلى الكذب بعد هذا الدليل؟ ف (ما) بمعنى (من) {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين} وعيد للكفار وأنه يحكم عليهم بما هم أهله وهو من الحكم والقضاء والله أعلم. اهـ.

.قال ابن جزي:

سورة التين:
{والتين والزيتون}
فيها قولان: الأول أنه التين الذي يؤكل والزيتون الذي يعصر أقسم الله بهما لفضيلتهما على سائر الثمار.
روي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل مع أصحابه تيناً فقال: لو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه، لأن فاكهة الجنة بلا عَجم فكلوه فإنه يقطع البواسير وينفع من النقرس» وقال صلى الله عليه وسلم: «نعم السواك الزيتون فإنه من الشجرة المباركة هي سواكي وسواك الأنبياء من قبلي».
القول الثاني: أنهما موضعان ثم اختلف فيهما فقيل هما جبلان بالشام.
أحدهما: بدمشق ينبت فيه التين والآخر بإيلياء ينبت فيه الزيتون فكأنه قال ومنابت التين والزيتون وقيل {التين} مسجد دمشق و{الزيتون} مسجد بيت المقدس، وقيل {التين} مسجد نوح و{الزيتون} مسجد إبراهيم، والأظهر أنهما الموضعان من الشام وهما اللذان كان فيهما مولد عيسى ومسكنه، وذلك أن الله ذكر بعد هذا الطور الذي كلم عليه موسى والبلد الذي بعث منه محمد صلى الله عليه وسلم فتكون الآية نظير ما في التوراة: (أن الله تعالى جاء من طور سيناء وطلع من ساعد وهو موضع عيسى وظهر من جبال باران) وهي مكة وأقسم الله بهذه المواضع التي ذكر في التوراة لشرفها بالأنبياء المذكورين {وَطُورِ سينين} هو الجبل الذي كلم عليه موسى وهو بالشام، وأضافه الله إلى {سينين} ومعنى {سينين} مبارك فهو من إضافة الموصوف إلى الصفة، وقيل: معناه ذو الشجر واحدها سينة، قاله الأخفش وقال الزمخشري: ويجوز أن يعرب إعراب الجمع المذكر بالواو والياء وأن يلزم الياء وتحريك النون بحركات الإعراب {وهذا البلد الأمين} هو مكة باتفاق والأمين من الأمانة أو من الأمن لقوله: {اجعل هذا بَلَداً آمِناً} [البقرة: 126].
{لَقَدْ خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} فيه قولان:
أحدهما:أن {أحسن التقويم} هو حسن الصورة وكمال العقل والشباب والقوة و{أسفل سافلين} الضعف والهرم والخوف فهو كقوله تعالى: {وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الخلق} [يس: 68] وقوله: {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} [الروم: 54] وقوله: {إِلاَّ الذين آمَنُواْ} بعد هذا غير متصل بما قبله، والاستثناء على هذا القول منقطع بمعنى لكن لأنه خارج عن معنى الكلام الأول. والآخر أن حسن التقويم: الفطرة على الإيمان و{أسفل سافلين} الكفر أو تشويه الصورة في النار، والاستثناء على هذا متصل، لأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لم يردوا أسفل سافلين {غَيْرُ ممنون} قد ذكر {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بالدين} فيه قولان:
أحدهما: أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والدين شريعته، والمعنى أي شيء يكذبك الدين بعد هذه الدلائل التي تشهد بصحة نبوّتك؟ والآخر أنه خطاب للإنسان الكافر، والدين على هذا الشريعة أو الجزاء الأخروي ومعنى يكذبك على هذا يجعلك كاذباً، لأن من أنكر فهو كاذب والمعنى أي شيء يجعلك كاذباً بسبب كفرك بالدين بعد أن علمت أن الله خلقك في أحسن تقويم، ثم ردّك أسفل سافلين، ولا شك أنه يقدر على بعثك كما قدر على هذا، فلأي شيء تكذب بالبعث والجزاء؟ ولا شك أنه يقدر على بعثك كما قدر على هذا، فلأي شيء تكذب بالعبث والجزاء؟ {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين}؟ تقرير ووعيد للكفار بأن يحكم عليهم بما يستحقون، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأها قال: «بلى وأنا على ذلك من الشاهدين». اهـ.

.قال البيضاوي:

سورة التين:
مختلف فيها.
وآيها ثمان آيات.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{والتين والزيتون}
خصهما من الثمار بالقسم لأن {التين} فاكهة طيبة لا فصل له وغذاء لطيف سريع الهضم، ودواء كثير النفع فإنه يلين الطبع ويحلل البلغم ويطهر الكليتين، ويزيل رمل المثانة ويفتح سدد الكبد والطحال، ويسمن البدن وفي الحديث: «أنه يقطع البواسير وينفع من النقرس». و{الزيتون} فاكهة وإدام ودواء وله دهن لطيف كثير المنافع، مع أنه قد ينبت حيث لا دهنية فيه كالجبال، وقيل المراد بهما جبلان من الأرض المقدسة أو مسجدا دمشق وبيت المقدس، أو البلدان.
{وَطُورِ سينين} يعني الجبل الذي ناجى عليه موسى عليه الصلاة والسلام ربه و{سينين} و{سَيْنَاء} اسمان للموضع الذي هو فيه.
{وهذا البلد الأمين} أي الآمن من أمن الرجل أمانة فهو أمين، أو المأمون فيه يأمن فيه من دخله والمراد به مكة.
{لَقَدْ خلقنا الإنسان} يريد به الجنس.
{فِى أحسن تقويم} تعديل بأن خص بانتصاب القامة وحسن الصورة واستجماع خواص الكائنات ونظائر سائر الممكنات.
{ثُمَّ رددناه أسفل سافلين} بأن جعلناه من أهل النار أو إلى أسفل سافلين وهو النار. وقيل هو أرذل العمر فيكون قوله: {إِلاَّ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} استثناء منقطعاً.
{فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ ممنون} لا ينقطع أولاً يمن به عليهم، وهو على الأولى حكم مرتب على الاستثناء مقرر له.
{فَمَا يُكَذّبُكَ} أي فأي شيء يكذبك يا محمد دلالة أو نطقاً.
{بَعْدُ بالدين} بالجزاء بعد ظهور هذه الدلائل وقيل (ما) بمعنى من. وقيل الخطاب للإنسان على الالتفات. والمعنى فما الذي يحملك على هذا الكذب.
{أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين} تحقيق لما سبق. والمعنى أليس الذي فعل ذلك من الخلق والرد {بِأَحْكَمِ الحاكمين} صنعاً وتدبيراً ومن كان كذلك كان قادراً على الإِعادة والجزاء على ما مر مراراً.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة والتين أعطاه الله العافية واليقين ما دام حياً، فإذا مات أعطاه الله من الأجر بعدد من قرأ هذه السورة». اهـ.